كيفية مواجهة “تنظيم الدولة” في سورية

هو تركيا، حيث لديها الشرعية كدولة سنية لمحاربة التطرف السني لـ(تنظيم الدولة) لكن تاريخ رجب طيب أردوغان في موضوع هذا التنظيم ليست له مصداقية، لأنه هو أول من ساهم بتسهيل دخوله وبالتالي حركته في كل من العراق وسورية، بالإضافة إلى ذلك.. فإن رؤية الجيش التركي يعبر حدود سورية والعراق واحتلاله لمناطق عربية قد يثير المخاوف في العالم العربي من العثمانية الجديدة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/16 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/16 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش

من يعرف ألف باء العلوم العسكرية يعرف جيداً أن القصف الجوي والاستهداف بالصواريخ حتى الإستراتيجية منها، إضافة لرشقات المدفعية، كل هذا لا يمكن أن يحرر متراً واحداً من أرض محتلة، نعم هو يضعف العدو ويرهقه، لكنه لن يحرر الأرض، فالتحرير منوط بعمليات برية بتعاضد مختلف صنوف الأسلحة وفي مقدمتها سلاح المشاة.

بالعودة للفترة القريبة الماضية.. نلاحظ أن تنظيم الدولة خرج من أماكن نفوذه -وبالتالي قتاله في المساحات التي احتلها في العراق وسورية- إلى العالمية، وبوحشية فقد ضرب في تونس وبذات الساعة ضرب في الكويت وبعدها كان استهداف تركيا، ومن ثم تجرأ التنظيم على الطائرة المدنية الروسية، ومن ثم كان التوحش الذي استهدف الآمنين في باريس، وطبعاً كان للبنان نصيبه من إرهاب تنظيم الدولة بين وقت وآخر، ثم كان لمالي أن يضربها إرهاب (تنظيم الدولة) وعاد مجدداً ليضرب من أيام في تونس من خلال استهدافه لحافلة تقل عناصر من الحرس الرئاسي.

وأعتقد هنا ان الكل بات على قناعة راسخة أنه لا يمكن اقتلاع التنظيم وبالتالي منع خطره وتهديده للغرب والعالم من دون عملية عسكرية برية في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
اكثر من خمسة عشر شهراً تفصلنا عن بداية التحالف الدولي باستهداف التنظيم بغارات جوية بشكل متتابع ولكن بمستوى منخفض، وسلاح الجو الروسي يقوم بذلك أيضاً منذ ما يقارب الشهرين، لكن هذا لا يشير إلى وقوع أي ضعف في إمكانيات التنظيم، فالثابت أنه لا يزال يملك القدرة على الحركة والتهديد والتنفيذ، فها هو قد ضرب في مالي منذ عدة أيام وبعد مذبحة باريس على الفور وبالرغم من الدخول الفرنسي على خط القصف الجوي.

المتابع يلاحظ ان (تنظيم الدولة) تحول العام الأخير من تنظيم مسلح مشتت إلى تنظيم مسيطر على مناطق جغرافية واسعة في سوريا والعراق، وممسك بها بالفعل ولا يحتاج إلى العمل في السر، هذه السيطرة الجغرافية فيما يبدو باتت تمكنه من التخطيط بشكل حر في حدود أماكن سيطرته وخارجها.

وهذا يدفعنا للاعتقاد أن العالم كله بدأ شيئا فشيئا يفهم أنه لا بد من محاربة (تنظيم الدولة) سيما أنه دون زعزعة المرتكز الجغرافي للنظيم لا يمكن التغلب عليه.

العالم كله، وليس الغرب فقط، لا يستطيع تقبل فكرة أن يكون لطرف ما في العالم السيطرة الجغرافية وهو في ذات الوقت يتنصل كليا من المعايير الدولية وغير خاضع بأي شكل للقيود التي تسري اليوم على الدول السيادية، لكن هذا لا يمنع أننا بحاجة إلى خطوات أوربية وقد باتت هذه الحركة أكثر من ضرورية في هذه الظروف بالذات فالمشكلة القائمة أكثر من خطيرة، إذ إن تنظيماً همجياً ووحشياً يسيطر على مساحات جغرافية وهو منفلت من أي قيود ولا يخضع لأي أنظمة وقوانين دولية ويتصرف على أهوائه وما يوحي له فكره القادم من خلف التاريخ.

وهنا أقول صراحة إنه لا يمكنني فهم التردد إزاء العملية البرية، فالواضح أنه لا متحمسين حقيقيين لها إلا روسيا الاتحادية وفق آخر التسريبات، لكن الواضح أنه بعد هجمات باريس سيتضح أكثر فأكثر أنه لا مفر من عمليات عسكرية برية تجتث جذور التنظيم في أماكن سيطرته علّها تكون خطوة على طريق تشتيته من خلال إضعاف إمكانية تواصله مع مناصريه وغسل أدمغتهم وتجنيدهم في صفوفه.

فعلى ضوء التدخل الجوي الروسي والمساعدة اللوجستية لسورية، فإنه من الممكن أن تتم مثل هذه الخطوات مع تأييد روسي إن كانت ضمن قيود معينة..
وأعتقد أن العالم الآن أمام ثلاثة خيارات، وجميعها مشوبة بنوع من التعقيد..
الخيار الأول:

هو الولايات المتحدة القوة الأكبر في العالم وقائدة حلف الناتو.
لكن لا بد من القول هنا إن خطوة كهذه ستكون كارثية ليس بسبب فشل أمريكا في أفغانستان والعراق فقط، ولكن بالنظرة العربية لمثل هذا التدخل؛ لأنه غربي في العالم العربي، حيث يمكن أن يعد ذلك كمحاولة أخرى للسيطرة الأميركية في المنطقة وهنا لا يمكننا التغاضي عن حقيقة أن (تنظيم الدولة) نشأ بسبب التدخل الأميركي الفاشل في العراق. إضافة إلى أن التدخل الغربي لن تدعمه روسيا بالذات، لأن الغرب يعتقد أنه من الضروري إسقاط بشار الأسد، أما موسكو فتريد الإبقاء على نظامه على الأقل إن لم يكن بالإمكان إبقاؤه شخصياً.

الخيار الثاني:
الذي يبدو معقولا هو أن تتم الحرب البرية من قبل دول عربية تعتبر (تنظيم الدولة) تهديداً لها، والسؤال هنا هو.. هل توجد جيوش عربية قادرة على تنفيذ مثل هذه المهام؟ والخشية هنا أن يتكرر ما حدث مع الجيش العراقي في أولى مواجهاته مع التنظيم في الموصل في شهر يونيو/حزيران 2014، حيث هزمت ثلاث فرق وتخلت عن عتادها خلال ساعات قليلة لعدم توفر إرادة القتال، علماً بأن هذا الجيش كانت قد دربته الولايات المتحدة وتم إعداده وتمويله بشكل ممتاز.

وهنا لا بد من الإقرار أنه باستطاعة السعودية ودول الخليج تمويل حرب برية، ولكن لا يوجد لديهم جيوش للقيام بمثل هذه العمليات، فاعتقادي راسخ أن جيوش الخليج هي بمثابة قوى أمن داخلي لحماية عروش حكامها ليس اكثر.

الخيار الثالث:

هو تركيا، حيث لديها الشرعية كدولة سنية لمحاربة التطرف السني لـ(تنظيم الدولة) لكن تاريخ رجب طيب أردوغان في موضوع هذا التنظيم ليست له مصداقية، لأنه هو أول من ساهم بتسهيل دخوله وبالتالي حركته في كل من العراق وسورية، بالإضافة إلى ذلك.. فإن رؤية الجيش التركي يعبر حدود سورية والعراق واحتلاله لمناطق عربية قد يثير المخاوف في العالم العربي من العثمانية الجديدة.

هناك خيار آخر، وهو إيران، لكن من الصعب أن تؤيد دول الخليج خطوة ستؤدي إلى تعزز المطامح لزيادة سيطرة طهران، إضافة إلى أن أوربا والولايات المتحدة ستتعاملان معها بنوع من الريبة والحذر، إذ إن النظرة إلى وجود ميليشيات وخبراء إيرانيين شيء، والدخول كجيش إيراني في حرب برية إلى سوريا شيء مختلف كلياً.

وأعتقد هنا أن هذه المصاعب قد تدفع المراقبين والسياسيين إلى الاستنتاج أنه لا داعي للتفكير بالعمل العسكري من أجل القضاء على السيطرة الجغرافية لـ(تنظيم الدولة) لكن وفي عالم مثالي يمكن الحديث عن عملية مشتركة أمريكية روسية، لكن هذا لا أعتقد أنه ممكناً.

ومع ذلك، فممنوع العيش في الأوهام، فمن الصعب وضع حد لـ(تنظيم الدولة) من دون عمل عسكري بري، ومن الصعب أن يقبل العالم وجود كيان جغرافي يعمل مثلما كان يعمل القراصنة في السابق.

إجمالاً حتى وإن لم تتوفر حتى الآن طريقة معقولة للقضاء على التنظيم فلا بد من إيجاد وسيلة لذلك ولو أن هذا لن يكون بالأمر السهل، وأعتقد أن الحل المعقول والمقبول يكمن بصياغة عملية سياسية سورية يتوافق عليها كل السوريين تنتج جيشاً عربياً سورياً وطنياً شاملاً، وأقصد هنا عودة كل المنشقين عنه واحتواء كل الجماعات المسلحة غير المتطرفة والتي ظهرت كنتيجة موضوعية للعنف والعنف المضاد، في إطار عقيدة جديدة وطرق قيادة جديدة لهذه القوات تعتمد الكفاءة أساساً بعيداً كل البعد عن المحسوبية والصلات المرضية، سيما أن جذور كل هذه القوات هو الجيش السوري، ولا بأس هنا من مشاركة قوات برية مصرية وربما جزائرية لخبرتها بمواجهة هكذا تنظيمات تبعاً لأحداث التسعينات التي هزت الجزائر ولسنوات، وأعتقد أنه -وهذا مقبول سوريًّا- لا توجد مشكلة من إسناد جوي ودعم لوجستي من كل دول العالم المتضرر من انتشار هذا التنظيم، إلا أن الأرض يجب أن يكون العمل فيها للسوريين، ولا بأس بمساعدة برية مصرية وجزائرية كما أسلفت، وهنا أجزم أن الجيش العراقي بتركيبته الحالية لن يكون له مكان في مواجهة (تنظيم الدولة) أقله ضمن الأراضي السورية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد