عن الصداقة السورية – السوفيتية و”ولي فقيه” روسيا الأرثوذكسية!

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ازداد فقر الروس فقراً، ولكن عدد أعضاء المافيا الروسية ازداد واتسعت نشاطاتها في مختلف دول العالم، وأتذكر أنه في مطلع العقد الماضي هبطت طائرة روسية خاصة في المغرب كانت تحمل أصدقاء العروسين اللذين قررا إقامة حفلة زواجهما هناك، وكانت الطائرة تحمل بالإضافة إلى المدعوين بضعة صناديق تحتوي على ملايين الدولارات!

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/15 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/15 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش

قال لي زميلنا أسعد عبود إن أخاه المختص في الإلكترونيات تمكن أخيراً من إصلاح العطل في جهاز التلفاز الذي جلبه له من روسيا بعد إنهاء دورته التدريبية هناك.. قلت له ولكن كل المختصين الذين حاولوا إصلاحه فشلوا فكيف تم إصلاحه؟ قال: أنا لست خبيراً لأعرف ولم أسأل أخي عن سبب العطل، ولكن كل ما أعرفه هو أن أخي أخرج من التلفاز بعض القطع الإلكترونية ورماها جانباً فتم إصلاح العطل!

جهاز تلفاز أسعد عبود كان على ما يبدو ابن عم سيارتي الروسية -لادا- التي كنت اضطر للتوقف بين مسافة وأخرى لكي أبرِّد محركها قبل أن تتعطل، ويبدو أيضا أن جهازه التلفزيوني ابن عم مختلف السلع والمواد الروسية المنشأ التي تتعطل بعد أيام أو أشهر من استخدامها، إلا إذا استثنينا من هذه السلع الفودكا الروسية وسلعة أخرى تلقى رواجاً في معظم علب الليل في مختلف دول العالم.

خلال إقامتنا في موسكو كان الأمن الروسي يمنع البنات الروسيات من دخول فندق الإنتركونتننتال الذي أقمنا به وكان مخصصاً لرجال الأعمال والوفود الرسمية، وكان يسمح فقط لعشرات الفتيات الجميلات أن يسرحن ويمرحن فيه، وعندما سألنا عن سبب منع دخول بقية البنات الروسيات من دخوله كان الجواب: الدخول مسموح فقط للواتي يعملن في جهاز الأمن الروسي، لأن مهمتهن هي اصطياد رجال الأعمال والسياسيين الأجانب وتصوير فيديوهات لهن مع هؤلاء في الغرف والأجنحة المزودة بأجهزة تسجيل وتصوير وبالتالي يتمكن الأمن الروسي من ابتزازهم أو تحويلهم إلى مخبرين يعملون لصالحه.

خلال المباحثات الرسمية التي أجراها وفد رسمي سوري في موسكو في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.. قال رئيس الوفد الروسي: لم نعرف انطباعات الصحافي المرافق لكم عن روسيا؟ وعندما هممت بالإجابة داس رئيس الوفد السوري على قدمي خوفاً من العواقب التي سيتحملها إذا قلت ما كنا نتهامس به في غرفنا المغلقة، فصمتُّ وقلت له كل شيء على ما يرام ونحن نعتز بصداقتكم.

قبل أن يسألني وقع خلاف بين الجانبين حول أسعار الآليات الثقيلة الروسية وقيل للروس إن أسعارها تفوق مثيلاتها الغربية التي تتمتع بمواصفات أفضل، فجاء الرد الروسي ساحقا عندما قال رئيس الوفد إنكم ستشترون هذه الآليات بالدين ولا نعرف إذا كنتم ستسددون قيمتها بعد أن تجاوزت الديون رقم العشرين مليار دولار، وثانياً نحن نعرف أنكم تشترون حاجتكم من الدواء من ألمانيا الشرقية بالدين، بينما تشترون سيارات المرسيدس من ألمانيا الغربية بالمارك الألماني!

لو تجرأتُ يومها لقلتُ له ما قاله الزعيم الشيوعي خروتشوف خلال أول اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي بعد وفاة ستالين. يومها تحدث خروتشوف مطولاً عن الجرائم التي ارتكبها ستالين، وعندما جاء دور الأسئلة وصلته قصاصة من الورق يقول صاحبها: وماذا كنت تفعل يا رفيق خروتشوف عندما ارتكب ستالين كل هذه الجرائم؟ قرأ خروتشوف السؤال وسأل عن اسم صاحب الورقة فلم يرد أحد وكرر سؤاله مرات ثلاث دون أن يرد صاحب السؤال وهنا ضحك وقال: كنت أفعل تماما ما فعله الرفيق الذي أرسل هذه القصاصة.

يومها وبعد سؤال المسؤول الروسي عن انطباعاتي عن الاتحاد السوفيتي فعلتُ ما فعله صاحب القصاصة فشكرت وحمدت وأشدت بالصداقة السورية السوفيتية، ولو تجرأت لقلت له إنني شاهدت في مكتب سكرتيرة السفير طالباً سورياً جاء بمنحة دراسية روسية يقنع السكرتيرة الروسية التي تحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة – كما علمت- بالخروج معه مقابل بنطال جينز، وكان صديقنا السوري يراهن على قبولها العرض لأن راتبها المتواضع لا يمنحها إمكانية رفضه. وكنت سأقول كيف يمكن هضم أن يكون الاتحاد السوفيتي دولة عظمى وتضطر بناته إلى ممارسة "عمل إضافي" مع طالب من بلد متخلف جاء ليدرس على حساب روسيا!

وكنت سأقول يومها إن رئيس الوفد لم يتمكن من الحصول على شراب ساخن في الفندق ليخفف ألم بطنه، رغم أن الفندق يعد من أفخم فنادق موسكو، ولكن خدماته متواضعة بسبب تواضع الأجور التي تقدم لعماله وعدم تأهيلهم للعمل بالشكل المطلوب.

وكنت أيضا سأقول له إنني رأيت عمال مصنع "زيل" للسيارات العسكرية يعملون بطرق بدائية تم تنسيقها حتى في الدول المتخلفة، وكانت نقطة لحام الأوكسجين التي توضع للصق قطع السيارة بحجم كف اليد، وهذا لا يمكن أن نراه في السيارات التي تنتج في بقية دول العالم؛ ولذلك كانت هذه السيارات كما كنا نراها في سوريا تحتاج إلى ورشة "دفش" ترافقها في تحركها لتقوم باللازم كلما تعطلت.

في موسكو عُرض علينا أن نذهب إلى متجر اللجنة المركزية للحزب؛ لنشتري ما نحتاجه من معاطف الفرو الروسية التي تباع وغيرها من السلع والمواد الفاخرة للرفاق بأسعار تقل كثيرا عن كلفة إنتاجها، بينما كان المواطن الروسي المسكين يضطر لشرب كميات كبيرة من الفودكا لينسى أوجاعه وهمومه المعيشية.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ازداد فقر الروس فقراً، ولكن عدد أعضاء المافيا الروسية ازداد واتسعت نشاطاتها في مختلف دول العالم، وأتذكر أنه في مطلع العقد الماضي هبطت طائرة روسية خاصة في المغرب كانت تحمل أصدقاء العروسين اللذين قررا إقامة حفلة زواجهما هناك، وكانت الطائرة تحمل بالإضافة إلى المدعوين بضعة صناديق تحتوي على ملايين الدولارات!

الأمر الوحيد الذي لم يتغير بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو أن القرار بقي بيد جهاز المخابرات الروسي الـ"كيه جي بي" كما كان في ظل قيادة الحزب الشيوعي، ولكن موظف الـ"كيه جي بي" فلاديمير بوتين، الذي كان مختصاً في فترة سابقة بحمل الحقيبة الشخصية لعمدة لينينغراد -بطرسبورغ- والسير خلفه، استغنى عن مرجعية المكتب السياسي للحزب الشيوعي، واستبدلها ببركات الكنيسة الأرثوذكسية التي أعلنت مباركتها حربه ضد الشعب السوري، وعمّدت الجنود الروس قبل سفرهم إلى سوريا. بل إنه تحول إلى "ولي الفقيه" لروسيا الكنيسة الأرثوذكسية عندما ادعى أن الله فوضه بمكافحة الإرهاب، وأن الله سينتقم من تركيا. وأنه -الله- أيضا حرم النخب التركية من العقول، وعندما اتهم بوتين أردوغان بـ"أسلمة" تركيا نسي أن 99% من الشعب التركي هم من المسلمين ونسي استجداءه بركات الكنيسة الأرثوذكية التي تنهمر عليه، ونسي أيضا أنه كان يزور حليفه "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية" الذي لم يتوانَ عن "تصدير" الثورة الإسلامية وليس أسلمة إيران فقط.

اعتادت المؤسسات الرسمية السورية أن ترفع في الأعياد الوطنية اللافتات التي تحمل شعارات تمجد القائد الخالد والمناسبة، وبعد انتهاء الاحتفالات تخزن في المستودعات بانتظار المناسبة القادمة. بعد أكثر من عشرة أعوام على سقوط الاتحاد السوفيتي لمحنا في شارع العابد بدمشق لافتة طويلة عريضة مهترئة أكل الدهر عليها وشرب تحمل اسم وزارة المواصلات – وزيرها شيوعي- وتقول: "عاشت الصداقة السورية – السوفيتية"..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد